الأربعاء، 25 سبتمبر 2019

كرم الشيخ البدوي مع الاسير الفرنسي
كرم الشيخ البدوي مع الأسير الفرنسي بقلم / محمد بن علي

كرم الشيخ البدوي مع الأسير الفرنسي بقلم / محمد بن علي 

سجل أحد الفرنسيين واقعة في كتاب وصف مصر يروي فيها تعامل البدو مع الأسرى الفرنسيين، و المعروف أنهم إحتلوا مصر في الفترة من 1799 إلي 1801، و كان هناك عداء شديد بينهم و بين البدو الذين رفضوا حملتهم على مصر و إعتادوا على مهاجمة كتائبهم حتى إذاقوهم الأمرين.
و في هذا الواقعة يروي  الفرنسي أن العربان أسروا ذات مرة ضابطا فرنسيا، و بعد أن هاجمتهم احدى الوحدات الفرنسية فرت القبيلة و تفرقت و هام شيخها في الصحراء و بصحبته " الأسير الفرنسي " و لم يعد مع الشيخ من الطعام سوى قطعة من الخبز هي كل طعامه، فإقتسمها مع الأسير الفرنسي قائلا له " ربما سأحتاج إليها غدا لكنني لا أتحمل لوم نفسي لو تركتك تموت من الجوع لأضمن أنا حياتي".
هذه الواقعة التي تجسد أرقى الإخلاق في التعامل مع الأسرى دفعت الكاتب الفرنسي " دي بوا إيميه " للتعليق عليها بقوله: " أن مثل هذه الأخلاق و الطباع لتشرف الأنسانية بأسرها و لا ينبغي علينا بالمثل أن نسئ القول في حق أمة تضم رجالا بمثل هذا الكرم بين أبنائها لكن السوءات هي التي تلفت انتباهنا بشدة بينما تهون الفضائل".
أن أكثر ما يمكن أن نستفيده من شهادة إيميه أنه دحض الصورة السلبية التي كتبها بعض المستشرقين عن البدو، و أقر بإنهم سجلوا الصور السلبية الفردية فقط و أغفلوا الفضائل العامة، كما أنه سلط الضوء على تأثير حالة الحرب كسبب لتشويه الخصم و هي أحد الملاحظات التي ذكرناها في مقال سابق لنا بعنوان " ملاحظات على ما سجله المستشرقون حول البدو " كي ندفع القراء إلي التفكير النقدي فيما كتبوه و البحث حول دوافعهم و الأشياء التي تؤثر في تناولهم للإمور.
 و أخيرا نقول أن أخلاق الصحراء النقية سبقت مواثيق حقوق الإنسان و إتفاقيات التعامل مع الأسرى، و طبقها البدوي بصورة عملية دون أن يكون ملزما بذلك بسبب إتفاقية أو قانون، بل طبقها بفطرته التي لم تلوث، إنطلاقا من أخلاق الفرسان التي تربى عليها دون أن يدري أن عدوه سيشهد له، فالحق ما شهدت به الإعداء.