الاثنين، 9 سبتمبر 2019

كيف وصف كازانتزاكيس بدو سيناء ؟ بقلم. : محمد بن علي

كيف وصف كازانتزاكيس بدو سيناء ؟ بقلم. : محمد بن علي

قدمت في مقالي السابق بعض الملاحظات على ما كتبه المستشرقون عن البدو بشكل عام، و التي شملت بعض النقاط التي تؤثر في المستشرق و ما يؤرخه، و ذلك كي نثير لدى القارئ الكريم الحس النقدي لما كتبه هؤلاء الرحالة الإجانب عن البدو.
و في مقالنا اليوم سنتناول أحد هؤلاء الرحالة اليونايين الذين قدموا لمصر بين عامي 1926، و 1927 و الذين شملت زيارتهم سيناء، و هو الإمر الذي يعنينا كي نحاول رسم صورة لبدو سيناء في عيون المستشرقين، فبما وصفها الفيلسوف و الرحالة اليوناني كازانتزاكيس في كتابه " ترحال " الذي شمل فصول عن سيناء ؟
كان كازانتزاكيس بليغ جدا في تصويره للمشاهد التي رأها بسيناء، فحين وصف مشهد صلاة البدو الثلاثة الذين رافقوه في طريقهم لدير سانت كاترين قال : ثم فرش البدو حصيرة صغيرة من القش على الثلج، و ركعوا متجهين نحو مكة و بدأو يصلون، كانت وجوههم الطاهرة البرئية التي لوحتها الشمس المستغرقة بإنجذاب صوفي، مشرقة متألقة، و بإجلال عظيم كنت أراقب هؤلاء الثلاثة و هم ينتقلون إلي السماء و كنت أحس بإن أبواب الجنة قد فتحت للحظات كي تسمح لهم بالدخول، و حين وصلت الصلاة نهايتها أغلقت الجنة أبوابها".
كما وصف أطفال سيناء الذين رآهم بقوله " كنت أنظر بعاطفة كبيرة إلى أطفال الصحراء هؤلاء، الذين يحملون تقاليدهم القديمة، و بساطتهم، و نفوسهم القادرة على الإدراك و السيطرة على الأمور، كما صور كبرياء هؤلاء الإطفال في حكاية سمعها قال عنها : حدثت بقصة الفتاة البدوية الصغيرة التي كانت تراقب بعض السياح و هم يأكلون، و حين رأوها، و عرضوا عليها بعض الطعام فرفضت بكبرياء، و في اللحظة التالية أغمى عليها و أنهارت من شدة الجوع.
و قد جسد الكرم السيناوي البدوي بقوله " أنهم أكثر الشعوب فقرا في العالم، و أكثرهم كرمًا و سخاءاً، أنهم يسافرون و هم جائعون، و لا يأكلون شيئا، كي يتركوا دائما بعض الطعام في خيامهم ليقدموه للزائر الغريب، و لا يستجدون أبدا حتى و لو كانوا جائعين ".
و بشكل عام نعت هذا اليوناني بدو سيناء بالتدين و الكرم و الكبرياء و الإمانة، و هي أوصاف سجل عكسها بعض المؤرخين الذين كتبوا عن بدو مصر، لذلك قدمنا في مقالنا السابق الإسباب التي تؤثر في المستشرق و التي تنعكس على ما يسجله سلبا أو إيجابا.
و في النهاية علينا أن ندرك أن البدوي سفيرا لبني جلدته عند الآخرين، فهذا اليوناني رآى بدو سيناء في ضوء ثلاثة تعامل معهم و لازلنا نفخر بما كتبه رغم مرور مائة عام.