الأحد، 3 مايو 2020

معارك حاسمة في تاريخ الأمة في شهر رمضان ( 1 )

معارك حاسمة في تاريخ الأمة في شهر رمضان ( 1 )

بقلم الدكتور سليمان عباس البياضي 
مما لا شك فيه أن شهر رمضان مصدر الطاقة الإيمانية والروحانية التي تدفع المسلمين إلي العمل الدؤوب بعزماً قوياً ، ولذلك كان شهر رمضان وما زال شهر الطاعة وموسم من مواسم النضالية في علاقة الأمة بربها فوقعت أعظم الفتوحات الإسلامية والمعارك الفاصلة في تاريخ الأمة في شهر رمضان واكتملت مكونات الشخصية الإسلامية المتزنة عبر هذا الشهر الكريم ، وتأثر المسلمين تأثيراً كاملاً بالقرآن الكريم الذي يحث في هذا الشهر العظيم في أخلاق المسلمين في أخطر الميادين وهو ميدان الحرب والجهاد ، فحمل المسلمين علي عاتقهم رسالة إلي كل الأجيال البشرية من المحبة والتسامح وعقلاً مفكراً وقلباً يدرك واقع هذه الأمة .
فالشباب المسلم يفتخر بأعظم المعارك الحاسمة والفاصلة التي وقعت في هذا الشهر اتسمت بأنها كانت رمز للعزة والكرامة ، فالأمر يحتاج إلي التدقيق والإمعان في هذه المعارك لأنها معارك فاصلة لولاها لأنتهت هذه الأمة ، والإعجاز فيها أنها وقعت في شهر الصيام ، وهي عبارة عن ترمومتر لقياس قوة الصبر والتحمل في شهر القرآن فحققت الأمة إنتصارات رائعة مازالت مرتبطة في أذهان المسلمين ولا تكون في ذاكرة طي النسيان بداية من معركة بدر مروراً بمعارك عديدة وأشهرها فتح مكة والقادسية وفتح مصر والأندلس وحطين وعين جالوت وتم العبور في شهر رمضان .
ومن يتصفح كتب التاريخ أو يقلب أوراقه يجد نفسه أمام صفحاته مشرقة من التاريخ في هذا الشهر من الأحداث والبطولات التي نعلمها والتي لا نعلمها التي تتسم بأحداث عظيمة على قدر فضل شهر رمضان لعل من أبرزها غزوة بدر الكبرى التي وقعت في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة فخرج المسلمون بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم ليعترضوا قافلة لقريش آتية من بلاد الشام يقودها أبو سفيان بن حرب ، ولكن أبو سفيان علم بذلك فغير الطريق إلي الساحل وهذا أستفز أهل مكة فخرجوا لمحاربة المسلمين وألتقا الجمعان في بدر في السابع عشر من رمضان ونصر الله عز وجل رسوله والمؤمنين رغم قلة عددهم وعدتهم ، فكان عددهم حوالي ثلاثمائة وسبعة عشر وكان المشركون أكثر من تسعمائة وخمسون ورغم أن المسلمون كانوا صائمين إلا أنهم حققوا نصراً بفضل الله في هذا الشهر الكريم فارتفعت معنويات المسلمين وعلت مكانتهم بين مختلف القبائل العربية وخسرت قريش جزءاً من مكانتها وأخذت تعد للثأر والانتقام وكانت غزوة الفرقان لأن في هذه الغزوة فرق بين الحق والباطل وأعز الله هذه الأمة في هذه المعركة في هذا الشهر الكريم رغم قلة عددهم واصبح المسلمون بعد غزوة بدر قوة خارقة يهابها الأعداء ولا يتجرأون عليها .
وأيضاً من الفتوحات العظمي التي تمت في شهر رمضان فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة وتحقق أكبر فتح للمسلمين فبعد أن نقضت قريش الصلح الذي عقدته مع المسلمين في الحديبية وساعدت قبيلة بكر في حربها ضد خزاعة ، و أحست قريش بخيانتها أرسلت أبي سفيان إلى المدينة ليقوم بتجديد الصلح مع الرسول صلى الله عليه وسلم ويزيد في مدته ولكنه فشل في ذلك وعاد إلى مكة خائباً وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد عزم على فتح مكة فأخذ يعد العدة في سرية وخفاء ، وفي العاشر من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة تحرك عشرة آلاف صحابي تحت قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم لفتح مكة وخرجوا من المدينة وهم صائمون وفي الطريق إلى مكة قابل الرسول صلى الله عليه وسلم العباس مهاجراً مع أهله إلى المدينة فصحب العباس الرسول صلى الله عليه وسلم في سيره إلي مكة بينما سار أهله في طريقهم إلي المدينة وتحرك الجيش بقيادة النبي إلي مكة وأكرمهم الله عز وجل بالعزة والنصر وقسم الرسول صلى الله عليه وسلم الجند إلي عدة أقسام فصار الزبير بن العوام بجزء من الجيش وأنطلق سعد بن أبي عبادة بقسم آخر وأخذ علي الراية ودخل خالد بن الوليد من جانب آخر وصار الجراح بين يدي الرسول حتى نزل علي مكة ، ولم يلق المسلمون أي مقاومة عند دخولهم مكة سوى بعض المناوشات بين خالد بن الوليد وبعض رجال قريش، وبعد أن هدأت أوضاع الناس دخل النبي المسجد الحرام وطاف بالبيت وفي يده قوس وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً فأخذ يطعنهم بالقوس وأخذ الرسول مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة وفتحها ثم دخلها وحطم الأصنام وصلى داخلها وخرج فوجد المسجد قد أمتلأ بأهل مكة ينتظرون مصيرهم فخطب فيهم " يا معشر قريش ما ترون إني فاعل بكم ؟ قالوا : خير أخُ كريم . قال : فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته لا تثريب عليكم اليوم إذهبوا فأنتم الطلقاء ثم أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة لعثمان بن طلحة ، وتم فتح مكة وكان لهذا الفتح أثر كبير في تاريخ البشرية ، فقد قضى علي عبادة الأوثان والأصنام في مكة تماماً ، وتسابقت الشعوب والقبائل إلي الدخول في الإسلام، ووضع النبي صلى الله عليه وسلم الأسس الخالدة التي قامت عليها الفتوحات الإسلامية مثل : العفو والصفح عند المقدرة .