الأربعاء، 15 فبراير 2023

عمارة بن فياض "الترابين "

بقلم الباحث : حاتم عطية ابو شباب الترباني

المهندس بمؤسسة ابوظبي للأعلام


الشيخ سالم إبن فياض بن جرمي من مشايخ قبيلة الترابين والقضاة المعروفين وهو من ذرية لماد بن جبيل بن نبع بن عطية الترباني
إن تشكيلة ابن فياض شملت ووزعت المهام بطريقة منظمة للغاية وقد تم على إثرها تحديد الهرم القضائي بحيث يشتمل على لجان أو أقسام ذات تخصصات محددة بما يضمن العدالة في التقاضي لأبناء القبيلة دون أي تحيز أو محاباه.
الكبار أو الكواكب أو مهرة الصيرة هم رأس الهرم وتحت قيادة الصوفي والعرجاني وابن جرمي ويقع على عاتقهم تحديد نوع الدعاوي وبالتالي احالتها عن طريقهم للجان المختصة ليتم تداولها ، كما أن للكبار دور آخر وهام جداً وذلك في العودة لهم حين تتعسر اللجان المكَلفة في حل القضية أو إن استشعر المتقاضين بالظلم. ويتم حينها تداول القضية على مستوى أعلى ضماناً للشفافية وإحقاقاً للحق.
العديد من التقسيمات كانت تلي المجموعة الأساسية لرأس الهرم القضائي (الكبار) وكانت تلك التقسيمات تعتمد تماماً على التصنيف القضائي بحيث أن لكل نوع من الجرم أو التقاضي لجنة مختصة فقط بهذا النوع وما يندرج تحته.
كل تقسيمة كان يتولاها قاضيين من عشيرتين مختلفتين والقاضي ثالث من عشيرة أخرى أو حتى من قبائل أخرى حيث ألفت القبائل البدوية الاحتكام إلى طرف ثالث لفض النزاعات.
الإيجابيات عديدة في تقسيمة بن فياض والتخصيص او ما اسميه الهرم القضائي لقبيلة الترابين وسعيه رحمه الله للمحافظة على النظام والاستقرار يتضح من خلال النقاط المذكورة أدناه :
- اعتماد الشيخ سالم لنظام القضاء الهرمي المتعدد وذلك بتعدد الهيئات القضائية لمختلف العشائر
- المزج بين الجانب السوسيولوجي والجانب التنظيمي أو القانوني
- التخصيص عبر توضيح الدور الوظيفي لكل تقسيمة وتحديد مهامها
- الحكم الصادر من هذه اللجان تسبقه مداولات تجعله أكثر صوابا وهيبة
- أكثر استقلالا ونزاهة لصعوبة التأثير على عدد من القضاة في آن واحد.
- تعدد الهيئات المختصة يضمن سرعة التداول وبالتالي انهاء القضايا بوقت قياسي وعدم تراكمها
- تقويم اللجان المستمر عبر وجود رأس هرمي يقوم بالمتابعة والتقييم والتصحيح ان تطلب الأمر
- الحماية الكاملة ممنوحة للقاضي وأسرته ممن تسول نفسه التعدي أو التهديد أو السخرية أو الإحتقار
- النزاهة بضمان الحق الكامل للمحكوم ضده بالطعن والإعتراض على الحكم ليحال للجنة أعلى
وقد إعتمد الشيخ سالم رحمه الله في اختيار العشائر على عدة أمور أهمها :
- مدى عطائها لقبيلة الترابين بالأنفس في الحروب ، قوة العشيرة ومكانتها في المنطقة ، الإنتماء والموالاة
ارتكز الهرم القضائي بالإتفاق مع شيوخ العشائر على اعتماد منظومة الجسور العشرية بمعنى أنه ليس بالضرورة أن ينتقل المنصب من الأباء للأبناء ، بل يشغل المنصب الشخص الأكثر علماً ودراية ولديه كل القدرات على التعامل بحكمة وسداد رآي.
شرط أن يكون من نفس العشيرة المنوط لها التكليف بمعنى عدم خروج العشيرة بتاتاً من منصبها في الهرم القضائي.
وعلى ما سبق فقد إلتزمت كل عشيرة بتحديد الشخص المكلف بالمنصب وعلى الأغلب كان شيخ العشيرة نفسه في حينه أو ممن ذو أفق وعلم. وإلحاقاً لذلك قام الشيخ شتيوي سلامة سليم بن جرمي بإعداد وثيقة موقعه وممهورة بأختام شيوخ عشائر الترابين تنص على التمسك والإلتزام التام بعلم القضاء للشيخ سالم بن فياض ، تبعها العديد من الوثائق عبر الأجيال التي تؤكد التمسك بما أقره الأجداد وتلتزم بعهدهم ، حتى أن مجلس شيوخ قبيلة الترابين في فلسطين طرح مؤخراً الموضوع للنقاش ورفض الجل الأعظم من شيوخ العشائر العبث في عمارة بن فياض.
لذا وعلى اثر ما سبق فإن إلغاء تقسيمة ابن فياض أو عدم الإعتراف بوجودها ستكون سبباً رئيساً في إحداث شرخ كبير وبالتالي قد يؤدي لإنقسام جديد للعشائر. والذي نجمع كلنا على السعي الدؤوب لوحدتهم ولم شملهم بما ينعكس بالإيجاب على أبناء الترابين في شتى بقاع الأرض.
أما عن عدم ذكر الشيخ سالم في الوثائق فما هو إلا جهل للمؤرخين وطعنة في حقهم ، ومن المعيب إتباعهم واللحاق بنقاط قصورهم في التعريف بقبيلتنا وانجازات أبنائها. من الناحية الأخرى فإن كل ما دونوه ما هو إلا تدوين سماعي وبالتالي ليس بالضرورة أن يكون مرجعاً نعتمد عليه في تأسيس مستقبل أبنائنا أو تعريفهم بماضي أجدادهم وإنما مقالاتهم كإنارة لطريقٍ قد نجد بين ثناياه ما لم يجدوه ، العديد من النقاط غابت عن مسامعهم والعديد من العشائر ظلمها هذا الإجحاف ، وإن كانوا قد أحجفوا عن ذكر الشيخ سالم بن فياض فالواجب علينا نحن أبناء القبيلة أن نميط اللثام ونوضح الحقائق لأبنائنا وللمطلع وللباحث عن العلم ، لقد ورد ذكره عند الباحث أحمد أبو جهامة في الكتاب الوحيد حالياً لأحد أبناء الترابين والمختص بقبيلة الترابين وهذا برأيي نقطة جيدة تحتسب له.
عارف العارف شرح أمور عصره بواقعية فذة قلما تجدها لذا كان تميزه فيما كتب وليس فيما نقل ، وعلى هذا المنوال فإن أي أمر نقله أي باحث شفاهية هو أمر قابل للنقض ويتطلب دراسة تحليلية معمقة للوقوف على مصداقيته.
إن علم الشيخ سالم بن فياض في النظام القضائي والأسس الموضوعة له في ذلك العصر سبقت كل العصور وكان من الأجدى تدريسها في الجامعات وليس ذكرها على استحياء بين صفحات الإنترنت.
ففي دراسات معمقة لماكس فيبر - Max Weber (1864-1920) أكد على ان انتقال النظام القانوني من المراحل الكارزمية إلى المراحل العقلانية يكون فقط عبر النظام الهرمي القضائي المتعدد.
أنا على يقين أنني مهما كتبت في حق هذا الرجل فلن أوفيه حقه وقدره ، تطوير القضاء يتجوب أن يكون فقط عبر أسس واضحة لا يشوبها شائبة بين أناس احتكمنا لهم للحديث بإسم عشيرتنا وليس نقاشاَ خاوياً على صفحات الإنترنت ، يجب أن يكون مطروحاً بجميع الرؤى المصاحبة له والمخطط المقترح وليس بأسلوب الإقتراع توافق أو ترفض.
ثم يأتيك جاهل يردد بكل وقاحة ((لكل زمان رجال)) ، وما جملته تلك إلا سباب واضح في حق كل عشائر الترابين وإهانه مبطنة بظاهر إصلاحي ، وكأن ليس من بين عشائر الترابين رجال حتي يقرر هو ما ينبغي وما لا ينبغي.
إن القصور في تحليل المقاصد التشريعية من النظام القضائئ الهرمي قد يفرض على البعض مجرد التأييد من أجل التأييد أو الرفض فقط من أجل الرفض دون الولوج في التفسير أو الدراسة المتأنية لإنعكاسات هكذا قرار مبهم على مستقبل قبيلتنا وتاريخها.
ملحوظة تاريخ النشر 16-6-2019م