الجمعة، 24 أبريل 2020



اليماني ..المناضل ابن الثائر اسد الصحراء..خاض الأخطار وقاد الأحرار

محمد اليماني ..المناضل ابن الثائر

وجوده على خط النار مصدر ثقة للمجاهدين
قاد العمليات الفدائية من قلب الميدان ولم يرحل عن سيناء حتي في زمن الاحتلال
استخدم ظهور الإبل كمحطات لاسلكي متحركة فلم يستطع العدو رصدها

البادية اليوم  – سليمان عياط
ماتوا وضحوا ورقصت فوق جباههم بسمات
وجاء من بعدهم( فلول) ماتت لكن بلا بصمات
تحية احترام وتقدير تقدمها البادية اليوم لكل الرجال الأحرار الذين قدموا حياتهم فداء للوطن و نقدم لشبابنا واحدا من هؤلاء الرموز الحية والتي لم ولن تموت بما قدمت من أعمال خالدة يسجلها التاريخ بأحرف من نور وحرى بنا أن نحفرها في عقولنا وقلوبنا جيلا من بعد جيل ليعلم القاصي والداني أن أرض سيناء الطاهرة أخرجت من رحمها أشجع الرجال وأنبلهم وأكثرهم حبا لتراب هذا الوطن
محمد اليماني ..المناضل ابن الثائر



من أرض سيناء خرج في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي .. وولد كما يخرج الأقحوان والقيصوم والدتم من الصحراء .. تعلم الصبر والكفاح من اجل الحياة الفاضلة والصراع من اجل الاحسن . والدة العمدة محمود سالم اليماني الذي كان أحد ثوار ثورة 1919 وأبعده الإنجليز عن سيناء منفيا إلى مديرية الشرقية وقلده عضو الوفد البارز حمد الباسل وسام الثورة ، كان والده وطنيا مخلصا علم أبناءه في وقت عز فيه التعليم بل في زمن عز فيه الاستقرار ، فأهل سيناء كانوا يرتحلون مع اوائل الربيع الى فلسطين ثم في نهاية الخريف الى وادي النيل ، فالإنسان في عراك دائم وارتحال مستمر وفي عمل دؤوب من أجل الحياة
في هذا الجو نشأ محمد محمود سالم اليماني فأكسبته الأجواء الصلابة والمضاء والوطنية والعزم وهذا ما انعكس على شخصيته وثقل هذه الصفات التعليم الذي حرص والده على ان يلحقه به هو وشقيقه " سالم " الشاعر والبرلماني والكاتب ومضى في التعليم بين البادية بكرمها وعزها ونخوتها ومجالس الرجال التي تعلم الرجال المثل والقيم وكما قال الشاعر
خذ الخلق الرفيع من الصحاري.... فان النفس يفسدها الزحام
فكم فقدت مروءتها قصور ... ولم تفقد مروءتها الخيام
في اجازة الصيف يعيش البادية بكل طقوسها ويركب ظهر الابل ويرعى الغنم وفي أثناء الدراسة في بيت الحاج سليم قويدر بالعريش يتلقى تعليمه ثم في الثانوية في الشرقية بالزقازيق يوم ان كانت المدرسة الوحيدة الثانوية في شرق الدلتا وفي نهاية الخمسينات تخرج من كلية التجارة جامعة القاهرة والتحق بالعمل كمراجع حسابات ثم التحق بالقوات المسلحة ثم بكلية الضباط الاحتياط فاجتمعت قيم البادية بكل ما فيها من صلابة وقوة مع قيم العسكرية المصرية في قوتها وانضباطها فاصبح ذلك التلاقح بين البادية والجيش بطلا من نوع فريد ، ركب الأخطار وتحدى الصعاب وفضل ان يكون في نقاط التماس مع العدو ،عشق البادية واحب سيناء فلم يتركها في احلك الاوقات يوم ان وقعت سيناء فريسة للاحتلال الاسرائيلي البغيض في عام 1967 كان محمد اليماني من الكوادر العسكرية المؤسسة للحرس الوطني على أرض سيناء في ستينات القرن الماضي ثم كان مع الجيش المصري الذي ذهب لمساندة النظام الجمهوري في اليمن ثم عاد ليكون ضمن تشكيلات القوات المسلحة التي دخلت الى سيناء في عام 1967 وتحديدا في منطقة " ام اكتاف" في شرق وسط سيناء على الحدود مع فلسطين المحتلة وعندما صدرت الأوامر بالارتداد والانسحاب من سيناء بعد العدوان الاسرائيلي على سيناء قاتل مع تشكيله ثم انسحب وقاد زملاءه عبر مسالك سيناء وجبالها حتى وصل الى منطقة الساحل في الشمال الغربي لشبه جزيرة سيناء بمنطقة بئر العبد ثم عاد الى غرب القناة ليتلقى تكليفات جديدة بالعودة الى سيناء وقيادة عمليات اتلاف المعدات المتروكه في سيناء ومنع العدو الاسرائيلي من الاستفادة بها وتمت هذه العمليات بنجاح بعيد نكسة 67
ثم كانت عمليات الاستطلاع للعدو وتشكلت خلايا التخابر التي لم يشرف عليها ويقودها محمد اليماني من مكتب او من غرب القناة بل قادها من مسرح العمليات في سيناء وفي عمقها وكان يعبر الملاحات الى بورسعيد سيرا على الأقدام لمسافة تزيد على 60 كم في الليلة الواحدة مع مجموعات من ابطال خلايا التخابر ورجال منظمة سيناء العربية من كل قبائل سيناء
محمد اليماني ..المناضل ابن الثائر



دور مشهود في حرب الاستنزاف

وفي منطقة بئر العبد وتحديدا في منطقة " ام حسن " جنوب قرية نجيلة كان يتواجد بقيادة العمليات الاستطلاعية وكانت المعلومات ترد ويقوم بابلاغها باللاسلكي الى القيادة مما جعل سيناء كتابا مفتوحا للقوات المسلحة والقيادة السياسية وهذا أسهم في ضرب أهداف العدو في سيناء أثناء حرب الاستنزاف بدقة متناهية وكان يقوم بنفسه احيانا باستطلاع أهداف العدو في مناطق سيناء المختلفة ويقوم بتجنيد العناصر النشطة والفاعلة وممن ساهموا بدور كبير ومشهود المجاهد الكبير "عبد الله خويطر" – رحمه الله – والذي حكى اليماني قصة تجنيده حيث قال " اتصلت بعبد الله خويطر وكان يعمل مدرسا للرياضيات وهجر الى وادي النيل وعرضت عليه العمل الوطني والعودة الى سيناء ، فلم يتردد لحظة واحدة بل اعلن قبوله بالمهمة برغم المخاطر الضخمة والكبيرة التي قد يتعرض لها واستمرت هذه المهمة ثمانية اشهر قضاها المقدم عبد الله خويطر في قيادة عملياة الاستطلاع في سيناء مختفيا لان الجميع يعرف انه غادر سيناء ومجرد ظهوره يثير الريبة وعلامات الاستفهام وقد يعرضه لاكبر الأخطار من العدو.
وهكذا كان ل محمد اليماني ذكاء فطري ومخابراتي استخدمه في تجنيد العناصر النشطة ذات اللياقة البدنية والذهنية العالية فقد كان الأمر يتطلب سير عناصر استطلاع العدو والتخابر عشرات الكيلو مترات والتصرف في المواقف المختلفة بحيطة وحذر كبيرين

قالوا عن محمد اليماني 

قال عنه اللواء "عادل فؤاد" قدم محمد اليماني للوطن خدمات كبيرة وعظيمة شهد بها الجميع وأسهم بفاعلية في خدمة المجهود الحربي المصري.
وقال عنه " سالم ابو سعودي":" انه كان يقود الرجال بحزم وعزم برغم ان مناديب المخابرات كانوا متطوعين ، وقال عنه "داوود العقيلي " – رحمه الله – ان اليماني كان عامل اساسي في نجاح عمليات التخابر والاستطلاع على ارض سيناء " وقال عنه المجاهد " عيد ابو سمري ":" كان اليماني همزة الوصل بين المجاهدين وبين قيادة المخابرات وكانت ايامه مجيدة، فلم يكن يقود من مكتب بل كان معنا في عين الخطر، وقال عنه الشيخ المجاهد " متعب الهرش ":"- رحمه الله -:" وجوده معنا كان يشعرنا أن سيناء ليست محتلة بل ان مصر موجوده برجالها وضباطها الذين كانوا يديرون العمل الوطني وقال عنه " يوسف براك النعامي ":" وجود اليماني في سيناء وفي قيادة فرع الخدمة الخاصة ، كان يشعرنا بالدور الهام الذي يجب ان يقوم به أبناء سيناء وكان مصدر ثقة للمجاهدين وهم يعملون خلف خطوط العدو في عمق سيناء


عامل مهم للنجاح

وقال عنه المجاهد " شلاش خالد ابو عياط " – رحمه الله - :" كان الوجود الفعلي على أرض سيناء لضابط مخابرات كاليماني عامل مهم من عوامل نجاح شبكات وخلايا التخابر ،كان معنا في الاخطار وفي التنفيذ الفعلي فكان ذلك عامل مهم لمعنويات المجاهدين ، وقال عنه الدكتور " محمود الازعر " كنا نعمل مع اليماني تملؤنا الثقة وكان بنفسه يشاركنا تنفيذ المهام الوطنيه لمعرفة كل شيء على ارض سيناء وقال عنه الشيخ عيسى الخرافين:" وجود ضابط مخابرات من أبناء بادية سيناء معنا كان من العوامل المساعدة في انجاز المهام ونجاح المقاومة على أرض سيناء فقد كان سببا ومصدرا للثقة لدى الخلايا الوطنية العاملة على أرض سيناء ولكونه بدوي فهو يجيد مهارات التخفي والعيش في الصحراء ويقول الشيخ عيسى الخرافين : شرفت بالعمل معه بالاضافة للعمل الوطني بالعمل في جمعية المجاهدين في فترة رئاسته لها وكان حريصا على رعاية المجاهدين في جهادهم وحرص على تسجيل بطولات سيناء من خلال معايشته لواحدة من أعظم فترات الجهاد.

المجاهد المبتكر

وينطبق على محمد اليماني لقب المجاهد المبتكر الذي استخدم ظهور الإبل كمحطات لاسلكي متحركة حتى لا يستطيع العدو رصده اذا كانت في مواقع ثابه ، وهكذا استخدم اليماني ورجاله الكاميرات للتصويروكذلك استخدموا اللاسلكي كما استخدموا الابل وكان الاصرار والعزم هو السلاح غير المرئي الذي كان القوة الدافعه والخفية التي تسلح بها الرجال واستطاع محمد اليماني اشعالها وتغذية جذوتها بما لديه من صفات شخصية وكان يعطي المثال من نفسه لرفاق الدرب واخوة الجهاد.
وصل محمد اليماني الى رتبة مقدم في المخابرات الحربية وبعد نصر اكتوبر عين رئيسا لمدينة "كوم حمادة" بمحافظة البحيرة ثم عين رئيسا لمدينة "دسوق"بمحافظة كفر الشيخ سكرتيرا مساعدا لمحافظة بورسعيد سكرتيرا مساعدا لمحافظة جنوب سيناء ثم التحق للعمل بالرقابة الإدارية ووصل إلى درجة وكيل هيئة الرقابة الادارية وكان في هذه المناصب التنفيذية مثالا للاخلاص والشفافية والانضباط والنزاهه وواصل مسيرته الجهادية السابقة في العمل التنفيذي وبعد ان وصل الى المعاش لم يكل ولم يمل بل دخل الى المجالس الشعبية وانتخب رئيسا للمجلس الشعبي المحلي لثلاث دورات لم يختلف في اداء دوره بل استمر على نفس النسق نزاهة واداءا مميزا منحازا الى الحق والنزاهة تشهد بذلك المواقف العديدة له شعبيا تنفيذيا

تكريم مستحق

كرم اليماني بالعديد من الانواط والاوسمة جزاء جهده المميز والبطولي حصل على نجمة الشرف العسكرية وعلى وسام الشجاعة وعلى نوط الامتياز من الطبقة الاولى وله سجل حافل بالإنجازات والعطاء والفداء والتضحية لخصه الشاعر عيد ابو عوده من قبيلة الدواغرة قائلا:
منهم محمد كل مشيه بكرامة ... يا ما تطوع بالمشقات بجنود
وياما في عز الحر حفيت اقدامه .. يجيب للقوات خطات وبنود
إنه نبت طيب من أرض سيناء ازهر بطولة واثمر رجوله واعطى بسخاء فهو في ذاكرة الوطن وقفة عز وومضة فخار وشخصية استثنائية في كل مراحل النضال والعطاء
محمد اليماني ..المناضل ابن الثائر

محمد اليماني ..المناضل ابن الثائر