الثلاثاء، 5 مايو 2020

معارك حاسمة في تاريخ الأمة في شهر رمضان ( 2 )

معارك حاسمة في تاريخ الأمة في شهر رمضان ( 2 )

بقلم الدكتور سليمان عباس البياضي

مما لا شك فيه أن من أهم المعارك الفاصلة في تاريخ الأمة معركة البويب التي حدثت في سنة 13 من الهجرة عندما سمع أمراء بلاد فارس بكثرة جيوش المثنى بن حارثة، بعثوا إليه بجيشاً مع أحد قادة بلاد فارس ويسمى مهران والتقيا في مكان قريب من الكوفة اليوم وبينهما الفرات ويسمى البويب، وأرسل قائد الجيش الفارسي رسالة إلي المثنى بن حارثة وتنص هذه الرسالة " إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم " فقال المثنى بن حارثة " أعبروا " فعبر قائد الجيش الفارسي نهران فنزل علي شط الفرات فكان ذلك في شهر رمضان سنة 13 هجرية، فعزم المثنى على المسلمين على الإفطار في نهار رمضان حتى يكونوا قادرين علي مواجهة العدو فنظروا عن آخرهم وخرج يطوف في الجيوش ويحثهم على الصبر والجهاد وقال المثنى لهم : " أن يكبر ثلاث تكبيرات فتهيؤا فإذا كبرت الرابعة فاحملوا السلاح، فلما كبر أول تكبيرة عاجلتهم الفرس فحملوا على القتال الشديد ورأى المثنى خلل في بعض الصفوف فبعث رجل يقول الأمير يقر عليكم السلام ويقول لكم لا تفضحوا المسلمين اليوم فعدلوا ومن الله عليهم بالنصر فلما طالت مدة الحرب جمع المثنى جماعة من أصحابه الأبطال ليحمون ظهره ، وبعد حيل عديدة من الله على المسلمين بالنصر وأغتنموا مالاً كثيراً وبعثوا به إلى عمر، ولقد قُتِل في هذه المعركة عدد كبير وأزلت هذه المعركة رقاب فارس وتمكن الصحابة من مواصلة الفتوحات فأغتنموا أشياء عظيمة لا حصر لها.
وتم أيضاً فتح بلاد النوبة سنة 31 هجرياً علي يد عبد الله بن أبي السرح لنشر الإسلام في تلك البقاع وتأمين حدود مصر الجنوبية ، وقوبلت هذه الحملة بمقاومة عنيفة ، ولم تستطع التوغل جنوباً ، وبعد قتال عنيف استمر لعدة أشهر من الله على المسلمين بفتح تلك البلاد ، وعقد معاهدة حسن الجوار عرفت بإسم معاهدة البقط ، وظلت هذه المعاهدة أساس التعامل لمدة ستة قرون حتى انتشرت القبائل العربية المسلمة في بلاد النوبة و تصاهرت مع سكانها ، وكان هذا الفتح نقطة محورية تمت في شهر رمضان شهر العزة والنصر.
ولم يتوقف المسلمون في الفتوحات والغزوات عند هذا الفتح بل امتدت غرباً إلي فتح بلاد الأندلس ، الذي تم فتحها سنة 92 هجرياً ، واستمر فيها الإسلام ثمانية قرون ، وحمل معه الخير إلي شتى بلاد أوروبا التي كانت تعيش في عصور التخلف والجهل ، فكانت بلاد الأندلس معبر من معابر الحضارة الإسلامية إلي الغرب الأوروبي ، ياله من تاريخ عظيم للمسلمين مفقوداً لا يعلم عنه أبناء الإسلام سوى القشور السطحية ، مازالت حتى الآن هناك مدن من أسبانيا والبرتغال بلاد الأندلس تحمل الأسماء الإسلامية إلى اليوم .
وهناك معارك حاسمة كانت في التاريخ وقعت في شهر رمضان مثل بلاط الشهداء سنة 114 هجرياً ، عبر المسلمون جبال البرانس الفاصلة بين أسبانيا وفرنسا ، وأول من فكر في هذا الأمر القائد العربي موسى بن نصير الذي أراد دخول فرنسا وبقية بلاد أوروبا حتى يصل إلي القسطنطينية التي استعصت في فتحها علي أيدي كبار القادة المسلمين ، وظل هذا الحلم يراود العديد من القادة المسلمين ، وحاول العديد منهم في الوصول إليها ، ولكن واجه العديد من الصعوبات ولم يستطيعوا فتحها ، واهتزت أوروبا عندما سقط نصف فرنسا الجنوبي علي أيد عبد الرحمن الغافقي خلال بضعة أشهر ، وفتحت الفرنجة أعينهم عن الخطر الداهم ، وكونت تحالف من دول أوروبا بقيادة شارل مارتل ضد الجيش الإسلامي بقيادة عبد الرحمن الغافقى ودارت معركة بين الفريقين إحدى المعارك الفاصلة ليس في تاريخ الإسلام فحسب إنما في تاريخ البشرية كلها ، وكان الجيش الإسلامي قد حقق نصراً باهراً في بداية المعركة وبعد ذلك نظر المسلمون إلي الغنائم وجمعها من أرض المعركة ولكن عبد الرحمن الغافقي نظر إلي هذه الثروات الهائلة نظرة قلق موجس في قلبه خيفة على المسلمين ووقف الجيشين عدة أيام كل منهما أمام الآخر في حالة من السكوت والصمت وكأن كلا ً منهما يخشى الآخر ، ثم أنقض عبد الرحمن الغافقي بفرسته على صفوف الفرنجة إنقضاض الأسود وصمد لهم الفرنجة ، وظلت المعركة دائرة لمدة سبع أيام وفي اليوم الثامن حدث إختلال في جيش المسلمين بسبب الغنائم وأصيب عبد الرحمن الفافقي بسهماً فسقط شهيداً ، وقتل المسلمين في هذه المعركة عدداً كبيراً وضاع آمال المسلمون في نشر الإسلام في أوروبا وفي وقت بكر ولكن أسباب الهزيمة ترجع إلي عدم إدراك المسلمين الطبيعة الجغرافية وسيطرت علي قلوبهم حب الغنائم في أرض المعركة وتكررت هذه المأساه مثل مأساه يوم أحد وهي سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا .