السبت، 30 مايو 2020

الصحفي السيناوي "عياد بركات " .. سيرة ذاتية تنشرها البادية اليوم
الصحفي السيناوي "عياد بركات "

الصحفي السيناوي "عياد بركات "

سيرة ذاتية تنشرها البادية اليوم على حلقات

" عياد بركات " واحد من جيل الرواد الذين حفروا في الصخر و صنعوا اسما لامعا في بلاط صاحبة الجلالة تفخر وتعتز البادية اليوم بأن تفتح صفحاتها له يروى قصته وما تحمله من دروس وعبر عل جيل اليوم يجد فيها ضالته يستلهم منها طاقة أمل و نور في غد مشرق ... يحكي و يروى كيف كانت البدايات و ما كان يقطعه من مسافات سيرا علي الاقدام من اجل تحصيل العلم .... في شخص عياد نقدم التحية والتقدير إلي الآباء الرواد في كل المجالات ممن رفعوا اسم البادية و اكدوا ان ارض الفيروز صانعة للرجال ...
شق عياد طريقه من الصفر وصولا للتميز واعلى مراتب المهنية فى بلاط صاحبة الجلالة. رحلة طويلة بدأت من خمسينيات القرن الماضى حتى اليوم خاض غمارها بداية من البحث عن العلم فى محط رحال أسرته برفح ثم الزحف للمدن المجاورة والهجرة للقاهرة ثم سلوك محطات متنوعة فى عالم الصحافة داخل مصر وخارجها . يوميات تجسد معاناة بدوى من سيناء لم يمنعه عائق ان يحقق ما يريد بجلد وصبر و صدق .. وتتشرف منصة " البادية اليوم "، بنشرها على حلقات

الحلقة الأولى

الصحفى عياد بركات يكتب :

من "صنع غزالة " برفح سيناء إلى " قاهرة المعز
رحلة المشي على الجمر لتحصيل العلم
تركت دراسة الطب البيطري من أجل عيون الصحافه
تعلمت الفلسفة على يد معلم كيسنجر في جامعة هارفرد

ولدت عام 1952 في نجع يسمي صنع غزالة ..يقع في منتصف المسافة بين مدينتي رفح و الشيخ زويد..ويتبع رفح إداريا
الأسرة التي ولدت بها تتشابه مع الأسر البدوية المجاورة في قلة حظها من التعليم..ولكنها محبة للعلم..الوالد احتك بالحضر في العريش ورأي كيف هو العلم يرفع أقواما فآمن بالعلم وظل يحرض أطفاله علي العلم..والأم البدوية شيخة العرب "صابحة"تحتضن أبناءها وتحثهم على العلم وتحبيبهم فيه
ولا يريدون تكرار تجربة الابن البكر"عيد"الذي التحق بمدرسة الشيخ زويد الابتدائية واستمر بها رغم قلة الزاد والزواد حيث الذهاب للمدرسة سيرا على الأقدام ..وأنهى الصف الخامس الابتدائي و لم يكمل "عيد"له شأن كبير في تعليمي وأخي الأستاذ غيث بركات بلفي فك أمية جميع شباب النجع والنجوع المجاورة
رعيت الأغنام مع جيراني صغيرا و يالها من حياة أتوق إليها حيث الحرية بلا حدود.. والمسؤولية أيضا..فأنت طفلا..ولكنك مسؤول عن الأغنام التي ترعاها وربما عن اغنام من هم معك من الجيران حيث المسؤولية تشاركية
في عام 1957اخذني شقيقي الأكبر مباشرة الاستاذ غيث بركات أخذني معه للكتاب،-بالشدة علي التاء وضم علي الكاف- وكانت الدنيا في عز القيظ..يوليو تقريبا في الصباح الأرض رطبة وعند الظهر رمضاء تشوي الأرجل الحافية..وفي العودة اجارك الله كأني أمشي على جمر..وفي مشهد انطبع في ذهني ولن انساها ما أن ابتعدت عن المدرسة بأمتار موحوحا من الرمضاء الا والدي عليه رحمة الله هل علينا وما أن راني حتي الحقني ظهره حتى البيت
الكتاب لشيخ فلسطيني اسمه موسى..كان أيضا أستاذا لأخي الأكبر عيد لم استمر كثيرا لكني احببت الدراسة و المدرسة خاصة أنشقيقي في الكتاب غيث عقد مقارنة بيني وبين من حضروا معي ذلك اليوم و وجد أنني حفظت وفهمت الدرس الأول أفضل منهم كثيرا. ..اي أن الأسرة رسخت في ذهني فكرة التفوق

المدرسة الصغرى

ثم تبدأ مرحلة أسميها مرحلة المدرسة الصغرى التي اسستني علميا و دراسيا وخلقيا..ذلك هو كتاب الشيخ"عيد بركات"شقيقي الأكبر..حيث تعلمت القراءة والكتابه لست أنا فقط بل معي مجموعة كبيرة من أبناء النجع والنجوع المجاورة
في كتاب شقيقي عيد تعلمت القراءة والكتابة على أصولها وهي تقريبا قراءتي الآن وقد زاملني فيها الكثيرون وهم أغلبهم اكبر سنا مني و منهم الشيخ عيسي الخرافين شيخ مشايخ سيناء وعضو مجلس الشعب السابق.
شيخنا عيد بركات ال علي نفسه أن يلحق تلاميذ بالمدرسة الحكومية. و هو يعرف بنظرته الثاقبة أن لا مستقبل لنا الا في مدرسة نتخرج منها رسميا فعرض علي تلاميذه :سوف اقدم الي شقيقيّ غيث و عياد من له رغبة يبلغني وبالفعل طلب ٤ زملاء آخرين الانضمام لنا
وفي رحلة كفاح شاق خاضها استاذي ومعلمي عيد بين دهاليز مديرية التربية والتعليم بالعريش ومكاتب الصحة للتسنين و مدرسة رفح الابتدائية الاعدادية ..صيف كامل يتنقل بأوراق ال 6 تلاميذ حتي انتهي من المهمة مع بدء دخول المدارس وكان في أكتوبر وليس سبتمبر كما الآن
قبل الدراسة بحوالي 15 يوما احضر لنا ملابس المدرسة قميص بوبلين أزرق وبنطلون كاكي وتعالي يا عياد أعلمك اللبس..ولما تروح الحمام تعمل ايه؟تعمل كذا..ثم تلبس البنطلون كذا وتربط جزاكم كذا
وفي السبت 20 اكتوبر كنا على باب المدرسة مدرسة رفح الابتدائية الاعدادية وناظرها الأستاذ شكري وسكرتيرها الأستاذ سعد(قبطيا),أنهى حياته في مدارس محافظة جنوب سيناء
قال شيخنا عيد هاهم التلاميذ يا استاذ شكري قاله..حاضر. تعال يا استاذ فلان وأنت يا أستاذ فلان اختبرهم وفعلا تم اختبارنا وكانت النتيجة كما رتبها شيخنا:اثنان في الصف الخامس..غيث بركات وعودة سلامه
اثنان..في الصف الرابع. عياد بركات وعبد القادر جمعة
اثنان في الصف الثالث سعيد ابو العويس وسليمان عيد
من المجموعة الأولي لم يكمل تعليمه سوي غيث بركات وانسحب عودة من بداية الصف السادس
المجموعة الثانية استمر عبد القادر حتي نال دبلوم التجاره.. وواصلت أنا والمجموعة الثالثة خرج سليمان من الصف الرابع واستمر الشيخ سعيد حتى الثالث الاعدادي وقامت حرب 67 اثناء امتحان الإعدادية ولم يكمل لظروف الحرب والاحتلال الإسرائيلي.
في العام الدراسي 1960-1961 كنت تلميذاً بالصف الرابع الابتدائي، لا زلت اذكر استاذ الفصل القدير ابن المنصوره "عوض" الذي يناديني مداعبا "إنت جيت لنا منين" حيث فوجئ بمستواي في القراءة .. والحساب حيث حل أي مسألة بما فيها الكسور العشرية والاعتياديه .

"التنمر"

كان عمري آنذاك 8 سنوات أي أصغر من السن القانونية بعامين واعمار زملائي من البدو كانت تتراوح بين 15 عاما وأبناء الحضر وكان جُلهم من وادي النيل حيث كان يعمل اباؤهم مع قوات الطوارئ الدولية كانوا في سن 10 سنوات .
صغر سني هذا جعلني عرضة "للتنمر" حيث زملاء الفصل كلهم اكبر مني سناً بل إن أحدنا وهو الصديق "حسن سليمان أبومليح" ترك المدرسة وقتها لمدة شهرين ليلتحق بفرقة للحرس الوطني بالعريش وعاد لنا مرة اخرى

" سيراً علي الاقدام "

من بيتنا في صنع غزاله وحتى رفح يوميا ذهابا وعوده علي الاقدام ليس معنا سوى تلميذ واحد هو " سعيد ابو العويس " وهي رحله شاقه علي ولدين صغيرين ولكنه الإصرار على الاستمرار في التعليم تحت اي ظرف مهما كان قاسياً

"مطلق ناصر غيث"

ولا أنسى تشجيع البعض لنا مثل العم "مطلق ناصر غيث " الذي كان يعمل سائقا على عربة مياه لنقل المياه للتجمعات البدوية المتناثرة عم مطلق كان يحضر المياه من رفح وكنا نعرف عربته جيداً فإذا قابلنا في الطريق ونحن عائدون من المدرسة وهو ذاهب لرفح ليحضرالمياه يشير لنا بيده : أن انتظروا هنا ! فننتظر 10 دقائق او ربع ساعه فيعود لنركب معه في الكابينة . محيياً ومتعاطف معنا لانه يعشق العلم ويرى أن البادية لم تأخذ حقها في التعليم
وقد ظل هذا الرجل إلى ان مات يفرح كلما رأى بدويا يذهب الى المدرسة حتى انه اسس جمعية فيما بعد تعمل على تشجيع أبناءالبادية على التعليم .

" السبت عيد"

كان سوق رفح الاسبوعي هو يوم السبت كان لنا و شقيقي " غيث " عيداً حيث يذهب اخي الاكبر " عيد " بحماره إلي السوق ليحضر مستلزمات الاسبوع فنركب الحمار بدلا منه حتي المدرسة مما يجعلنا نعتبر يوم السبت يوما غير عادي

"وما ادراك ما الفول "

المدرسه كانت تصرف لنا وجبه غذائيه قوامها رغيف بلدي و قطعة جبن رومي وقطعة حلاوة طحينية نأخذ الرغيف ونتجه للفناء حيث برميل الفول المدمس او الفاصوليا البيضاء نفتح الرغيف يضع لك فيه كبشة كبيرة أول يوم اكلت فيه الفول تقيأته .. صحراوي لم يتعود على المدمس ولكن مع الايام اصبح الفول وجبة شهية للغاية ليس افضل منه ألا حين يستبدل بالفاصوليا البيضاء تعوم في السمن النباتي .
كان من أساتذتي في المدرسة الاستاذ " اسماعيل سلام "شقيق الدكتور "صلاح سلام " عضو المجلس القومي لحقوق الانسان والاستاذ "محمد يوسف عابد " ناظر مدرسة رفح وعضو مجلس الشعب السابق .

"أول الغيث .. ٤ بركات "

كان أول الغيث الذي اشار إلى ان طريقي يتجه للصحافة هو شغفي بالخطابة المدرسية , بين يوم وآخر كنت ألقي كلمة المدرسة وكان كابتن الطابور الصباحي "موسي سلام عياد " يبدأ تقديمي هكذا : الطالب عياد بركات يلقي كلمة الصباح" ٤4سقفات ابتدي" والتكرار ما يقوله يوم بعد يوم فإذا به مرة يقول في كلمة الصباح يلقيها الطالب "عياد سقفات 4 بركات ابتدي " واذكر انه من بين زملائي الذين سبقوني بصف واحد المجاهد الكبير " حسن علي خلف " بطل منظمة سيناء العربية اطال الله عمره وأعطاه الصحة والعافية .

"كوكاكولا"

عام 1966 حصلت على الشهاده الاعداديه وذهبت منفردا بملفي إلى المدرسة الثانوية بالعريش وكانت تجاور مسجد الرفاعي في الميدان الرئيسي بالعريش وكان ناظرها مربياً فضلا أعطاه الله بسطة في الجسم وفي العقل وهو الأستاذ "عبد الحميد بدور" ولما تقدمت بأوراقي واطمأنت انني قُبلت طالبا بالمدرسة اتجهت إلى الميدان الرئيسي وجلست علي قهوه كبرى وكأنها استراحة المحارب وطلبت زجاجة " كوكاكولا" و كانت احلى زجاجة اشربها ربما حتى الان وكان الميدان امامي يعج بالحركة والحياة وامام القهوة مباشرة يقف الاتوبيس لمن يرغب في السفر الى القاهرة التي كانت مبتغاي وامنيتي وكانت أجرته "99 قرشاً " .. يالها من ايام !

إلى قاهرة المعز

في يوم الثلاثاء 27-4-1971  ظهرا عبرت قناة السويس مع الصليب الأحمر .. وكنت قد أنهيت الصف الثاني الثانوي في مدرسة العريش الثانوية .. والتحقت بمدرسة السعيدية الثانوية بالجيزة طالبا منتظما في فصل 3/14 .
وهناك شخصية أثرت في وتأثرت بها وهو الأستاذ "محمود المنوفي" مدرس اللغه العربيه وقد كان يعرف سيناء شعبا وتقاليد وكأنه يقرأفي كتاب مفتوح وقال لي : هل تعرف د. درويش مصطفى الفار قلت له : اعرفه قال لي انه شخصيه جديره بالاحترام .. وابنه زميل لك في المدرسة ولكن الموت اختطفه منذ حوالي شهرين وقد كان للاستاذ " محمود المنوفي" ملاحظه بعد تخرجي من المدرسة فقد قابلني بجوار المدرسه وانا ذاهب إلي الكليه فقال لي : " دخلت كلية ايه يا عياد " قلت له الاعلام فلم تعجبه اي انه كان يريدني دخول كليه عمليه كالطب مثلا . وبعد أن تخرجت وعملت صحفيا في المساء وقابلته في ميدان الجيزة اين انت الان يا عياد قلت له صحفيا في المساء فلم يتمالك نفسه وهجم عليّ تقبيلا واصر ان يعزمني علي فنجان قهوة في مقهى بالجيزة وشرح لي كيف انه عمل مصححا لسنوات طويلة في جريدة المصري (ابو الفتح ) .
تخرجت من السعيدية عام 1972 بمجموع 73% وتقدمت بأوراقي الى مكتب التنسيق وقبلت بكلية "الطب البيطري" بالزقازيق وكشفت طبيا بالكلية .. وفجأه إذا بإعلان في الصحف عن قبول دفعة من حملة الثانوية العامة في " معهد الإعلام " بحد ادني في المجموع65 % وبنسبة 70 % في اللغات ومن يرغب يتقدم "بوصل" مكتب التنسيق وكان عدد المتقدمين 1250 طالبا أجروا لنا الاختبارات التجريبيه وإذا بأسمي بينهم ضمن ال  850 طالبا نجحوا في التحريري وهؤلاء مطلوب منهم الحضور على دفعات للاختبار الشفوي؛ وقد جرت الاختبارات لنا بعد الإفطار حيث كنا في شهررمضان المبارك
وفي اليوم المحدد للاختبار ذهبت وكان يتم دخول الطلاب كل ثلاثه معاً وكان زميلي في الاختبار د. عمرو عبدالسميع الصحفي بالأهرام - عليه رحمة الله وزميله اخرى اسمها " فاطمه" ، ودخلنا الى غرفة بها تقريبا لا يقل عن 10 أساتذة أجلاء طبعا لم اكن اعرف احدا منهم وان كنت عرفت فيما بعد الأستاذ محمد حسنين هيكل من بينهم وأستاذنا القدير الأستاذ جلال الدين الحمامصي وعميد المعهد د . إبراهيم إمام وهو من يقوم بالسؤال .. وسكرتيرة الجلسة التي تسجل تقدير الاساتذه للدرجات وكانت تقف ولا تجلس وهي الدكتورة عواطف عبدالرحمن وكانت آنذاك مدرساً أي تحمل درجة الماچستير - وقد تعرفت عليها فيما بعد .
سألوا " عمرو عبد السميع " من هو أشهر عمرو في تاريخنا قال : عمرو بن العاص
هل هناك معالم تحمل اسمه في القاهرة قال : نعم جامع عمرو بن العاص بالقاهرة .. وهل زرته يا عمرو قال نعم زرته وصليت به ثم جاء الدور علي: وانت يا عياد هناك حادثة جمعت بين عمرو بن العاص هذا وابا موسى الاشعري هل تذكرها قلت نعم قال قلها لنا فقلت واقعة التحكيم التي تلت موقعة " صفين" وشرحت لهم الاتفاق قال : ومانتائج هذا الاتفاق قلت لهم كذا وكذا قالوا ماشي يا عياد ثم سألوا فاطمة عن أشهر فاطمة في التاريخ .. المهم انني لم اشاهد فاطمة في الكليه .
بعد حوالي 15 يوما ذهبت للكلية وكلي شوق لأعرف النتيجه وإذابأسماء 450 طالبا قد تم قبولهم واسمي في الكشف رقم  152 وحمدت الله كثيرا على ان حقق املي في الدراسة التي اهواها والطريق التي أريد .