الثلاثاء، 26 مايو 2020

البلاد.. و التيه..و العيد

البلاد.. و التيه..و العيد


بقلم الدكتوره أمل سلامه نصرالله
"البلاد" فى القاموس البدوى تعنى "الارض". فالبدوي عندما يريد أن يقول على سبيل المثال "جلست على الارض" ، يستبدل كلمة الأرض بالبلاد، فيقول "جلست على البلاد". من هنا تستطيع ان ترسم صورة بألوان زاهية توضح مدى ارتباط البدوى بأرضه. فكل ذرة رمل على الأرض هي بلاده. كل شجرة وارفة هى بلاده. كل جذر حتى و ان يبس هو ايضا بلاده. ربما يشكل هذا الأمر عند البعض إشكالية في فهمه، حيث ان طبيعة البدوى هى الترحال من مكان الى آخر، فكيف إذن تكونت هذه الرابطة التى ترنو من التقديس بينه و بين الارض التى يعيش عليها؟ فى رأيى المتواضع ان الترحال بالنسبة للبدوى لم يكن ابدا ايدلوجية، إنما كان دائما اضطرارا لوجود خطر ما يهدد حياته. و منذ زمن بعيد، قامت القبائل بالاستقرار و تعمير الأرض التي تعيش عليها و توارثتها الاجيال جيل تلو الآخر و توارثت معها حب البلاد حتى أصبح رحيل البدوى عن ارضه بمثابة تيه كبير يغرق فيه حتى الممات.
فكلنا يعيش فى هذا التيه ، سواء من رحل أو من ظل. فمن رحل حتى و ان كان ظاهريا الى مكان افضل، فهو فى تيه و غربة و اشتياق دائم الى البلاد. اما من ظل، فهو يعيش تيهاً داخليا بطعم مرارة الفقد و الخراب الذى حلَ بالبلاد. كلنا يعيش و يعمل و يضحك و يبكي و يمارس حياته بشكل يبدو طبيعى. لكننا في انتظار شيء ما. شئ يخرجنا من هذا التيه و يرجعنا الى بلادنا التى ألفناها برائحة اللوز و لون البرتقال و خير الزيتون.
ثم يأتى العيد، فنشتاق أكثر و نشعر بغصة البعاد و الغربة. فنتظاهر بالفرح ، و نضحك و نظن أننا قد نسينا . و لكن هيهات ، فلا اقسى على المرء من ان يُفجع في بلاده. فنعود و نتذكر البيت الكبير و النخيل وأشجار العنب و التين و الهدهد على شجر السدر، فنعود إلى التيه مرة أخرى، ثم نبكى .. ونغفو ... و نرى فيما يرى النائم .. أننا بخير.