الاثنين، 15 يونيو 2020

بيت من شَعر ... و قصر من ذهب!


بقلم الدكتوره امل سلامه نصرالله


بيت من شَعر ... و قصر من ذهب! بقلم امل نصرالله


"لهجر قصرك وارجع بيت الشعر... و أعود لهلى بعد ما ذقت القهر .... و انسى مدينة لو أرضها من تبر إي و الله ... و انسى مدينة لو ارضها من تبر إى و الله!".

 على نغمات هذه الاغنية البدوية الرقيقة، أتذكر انى كنت أجالس أبى –رحمة الله عليه- نسمعها و نتجاذب أطراف الحديث حول أهمية وجود "الخص" و "بيت الشعر" بالنسبة للبدوى حتى و ان كان يقطن في قصر! و من اعتاد على ارتياد بيوت البدو، تجدهم حريصين فى فصل الصيف على بناء عشة من الخوص يطلقون عليها "خُص" يوجهونها نحو الاتجاه الذى يأتى منه الهواء المنعش أو كما يطلقون عليه "الطياب". و إمعاناً فى البداوة تجد بعضهم –كان أبى منهم- ينتظر فصل الشتاء لكل ينصب خيمة من الصوف تمتص حرارة الشمس و تقوم بتدفئة المكان يُطلق عليها بيت الشعر. و كثيرا ما كنا نتندر على بيوت بعض البدو الذين يسكنون خارج سيناء حيث يشدونها على احدث طراز و مع ذلك تلمح عينيك ذات "الخص"أو "بيت الشعر" الذى كنت تلمحه فى بيته بالشيخ زويد او رفح قابعاً شامخاً فى اقصى حديقة البيت معلناً عن هوية صاحبه.
أتذكر جيدا مكان بيت الشعر فى حديقة بيتنا بالشيخ زويد. فكانت تقابله شجرة كلامنتينة مثمرة تعطيه بهجة و جمالا. و على يمينه توجد شجرة كمثرى تستطيع أن تنظر فيها كل تفاصيل اللون الاخضر. و على يساره تستطيع ان تشم رائحة عطرة شجرة جوافة مورقة تجعلك تتمنى لو أن في يديك الآن رواية "رائحة الجوافة" ل غابرييل غارسيا ماركيز لتقرأها و انت تستظل بظلها. أما خلفه، فتوجد نخلة تثمر بلح أصفر له حلاوة في طلته و مذاقه.
و لقد ورد على بيت الشعر هذا الكثير و الكثير من البشر. القاصى و الدانى، البسطاء و الوجهاء، الصحفيين والأدباء وأهل الفن. أما بالنسبة لنا، فقد كان ملجأً نبحث فيه عن دفء الجسد و الشعور. نمد أيادينا نحو كانون النار لنشعر بالدفء. نمسك بكوب صغير من الشاى المصنوع على الحطب ، نشربه و نضحك ، و نتركه و نجرى مسرعين عندما نسمع نداء أحد الضيوف، فنترك أبى لكى يستقبله. و نظل نسترق السمع ، حتى نتأكد من مغادرة الضيف، فنسرع مرة أخرى لنستمتع بالدفء. و كان لا يثنينا شيء عن الاستمتاع بالدفء فى بيت الشعر حتى الأمطار الشديدة، فكانت تزيد جمالا حين نراها ونحن نجلس جميعا مع أمى حول أبى نتدفأ بحكاياته و ضحكاته.
لقد افتقدت هذا البيت كثيرا ، افتقدت الشمس التى كانت تدفئه، و القمر الذى كان ينيره ، و أبى الذى كان يعمره، و لنا عودة!